Sunday 30 December 2012

مما قرأت / والعصر! لحمزة نمرة .


وما الجديد فى هذه الدنيا التعيسة، وفى كل يوم يفصح الإنسان عن مزيد من الخسة والنذالة واللاإنسانية؟ منذ أن كانت الإنسانية كلها تتمثل فى شقيقين، وجد قابيل مبرره الذى يريح به ضميره ليقتل أخاه وهو نائم! نصف البشرية يقتل نصفها الآخر بمنتهى الوحشية!

وما الجديد؟ والدنيا كما هى، تدور بنفس الطريقة، لكن فى دوائر أوسع الآن، ربما أصبح الإنسان فيها أكثر علماً، وأفصح لساناً وأرقى أناقة.. لكن يظل طبعه الخسيس يجرى فى عروقه.. يظل تبرير الظلم واللامبالاة فى إزهاق الأرواح باقياً فى نفوس أغلب بنى الإنسان.. والتاريخ حافل بالمجازر والمذابح التى أفنت مئات الألوف من الأبرياء، للأسف لم تكن بأيدى كائنات فضائية منزوعة الرحمة، بل كانت بأيدى بشر مثلهم ربما كانوا من أبناء جلدتهم، بينهم العيش والملح والدم..

وما أكثر الفظائع التى ارتكبت على ظهر هذه الأرض باسم الدين والرب.. باسم الخلافة والصليب والتوراة.. السلام والديمقراطية والعدالة.. كلها مسميات يحاول بها قابيل هذا العصر إسباغ صفة النبل والسمو على أفعاله المشينة.. لكن قابيل هذا العصر يتفوق على أسلافه فى الدناءة، قابيل الأب تعذبه خطيئته بعد ارتكابها فيبحث كيف يوارى سوأة أخيه والندم يعصر قلبه.. أما قابيل الابن فحتى لم يكترث بغسل عاره، بل نام مستريح الضمير مبرراً قعوده وإهماله وسرقته وقتله.

ولننظر ما يحدث فى سوريا، وسط سكوت ولا مبالاة القريب قبل الغريب.. فما أشبه ليلة سوريا ببارحة البوسنة!

وانظروا أحوال فلسطين، ودققوا النظر فى غزة المكلومة، أليس ما يمارسه اليهود الصهاينة هناك من جرائم سفك الدماء واحتلال الأراضى وتشريد الأبرياء، هى الجرائم ذاتها التى ارتُكِبت فى حقهم فى بولندا وألمانيا واليونان وصربيا؟! مظلوم الأمس هو ظالم اليوم! يرتكب نفس الفظائع ويردد نفس التبريرات، فيالسفالتك يا قابيل هذا العصر.

إن اتباع الحق أصبح فى هذا الزمان أصعب من المشى على الجمر والشوك وكسر الزجاج.. فى عالم تحكمه الأهواء والنفوس المريضة.. الكل فيه منشغل بذاته ولذّاته، الكل لا يبالى أين الحق وأين الباطل، فى مثل هذا العالم من يقول كلمة الحق فإنه يقف ضد تيار جارف من الكذب والتضليل والنفاق.. فلا عجب أن يكون هناك يوم آخر، يوم تتساقط الأقنعة وتتهاوى الحجج والمبررات، ويقف الناس أخيراً بأفئدتهم ونواياهم الحقيقية عرايا من كل زيف أمام مالك الملك، ليقول فيهم قول الحق.

ومن قال إن التاريخ الإنسانى دائم التقدم للأفضل؟ هذه أكبر كذبة فى التاريخ، الحقيقة أن التاريخ الإنسانى فى انحطاط مستمر، لا تنخدع بمظاهر التقدم العلمى والاقتصادى؛ فهى مجرد زينة تخفى وراءها وجهاً بشعاً لكائن معدوم الإنسانية.. صحيح أن التاريخ قد تخللته فى الماضى ومضات ربانية تفيق الإنسان من غفلته لبعض الوقت.. . لكن أما وقد مضى زمن الأنبياء، فلم يبق هنا إلا السفهاء.. صدقت يا ربى حين قلت: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ».

No comments:

Post a Comment