Tuesday 1 January 2013

2-1


كان يوم 2/1/2012 يومًا مميزًا في تاريخنا العربي المسلِم، كان يومًا يعودُ بالذاكرة لأيَّام حافِلة بالألَم والحسرة، إلى يومِ أُعلِن سقوطُ الأندلس، ممثَّلة وقتَها في مملكة غرناطة نهائيًّا على يد الإسبان، لم يكُن يتصوَّر حينها الإنسانُ العربي أو المسلم أنَّ يومًا كهذا سيحصُل؛ أن تسقط عاصمةُ الحضارة والرُّقي، مدينة ابن البيطار وابن الخطيب، تلك المدينة التي كانت أجملَ مدينةٍ في العالم، عاش فيها شخصياتٌ عظيمة، تركتْ أثرًا لا يُنكره إلا حاقدٌ أو جاهل!

سُلِّمت المدينة بوثيقة مِن 47 بندًا، لم ينفذ منها بندٌ، حيث أُخلفتِ الوعود من أوَّل لحظة لدخولِ الملكين فرديناند وإيزابيلا لقصر الحمراء، مُعلنَينِ طردَ حُكَّام بني الأحمر إلى الأبدِ مِن هذه الديار!

سقوط الأندلس كان نتيجةً حتميَّة لآثارِ البُعد عن دِين الله تعالى، كان نتيجةً حتمية للرُّكون إلى الدُّنيا وترْك الفرصةِ للعدوِّ الحاقد لأنْ يستغلَّ تفرقهم الذي نتَج عنه ضعفُهم، ومِن ثَمَّ سقوط المدينة تلوَ الأخرى في يدِ أعداء الله؛ حيث تحوَّلتِ المساجدُ إلى كنائس، وسُبِيت النساء، وأُرسلنَ هدايا إلى بابا روما! وعُوقِب كلُّ مَن يُشَكُّ في أنه مسلِم، وأُجبر الناس على الأكْل في رمضان، ومُنِعوا من أكل اللحوم، وأُجبروا على أكْل الخنازير، وأُحرِقت الكتُب العربيَّة والمسلِمة، العلميَّة منها والدينيَّة في ساحةِ باب الرملة، لا لشيءٍ سوى لإجبارِ الذاكرة المسلِمة على عدَمِ الارتباطِ بماضيها المسلِم المشرِّف.

في الوقتِ الذي كان يحتفل فيه العالَمُ بمناسبة رأس السنة الميلاديَّة، كان الإسبان في غرناطة يحتفلون بما ارْتكبوه مِن فظائع في حقِّ المسلمين هناك! كثير منهم لبسوا زيَّ محاكم التفتيش، التي لم يوجد بمِثلِ فظاعةِ جَرائمها في التاريخ، والتي ماتَ على أيديها أكثرُ مِن 17 ألف مسلِم ومسلمة "حرقًا"، ومات مئاتُ الألوف تحتَ التعذيب أو الإعدام لا لشيءٍ سوى أنَّهم مسلمون عرَب!

بينما كان الوضعُ مغايرًا عندَ شبابٍ أبَتْ نفوسهم أن يحتفلوا في الوقتِ الذي يرقُص غيرُهم على مآسِي إخوانهم، فانطلقتْ أوَّل حملةٍ شعبيَّة على الإنترنت مِن أكثر من 49 صفحة على شبكة الفيس بوك، بأكثر مِن 26 مليون مشترك، بقيادة فارسة الأندلس الشابَّة "منى حوا" لإحياءِ ذِكرى الأندلس وما حصَل في الأندلس.

حيث حوَتْ هذه الصفحاتُ مقاطع ومشاهِد تُذكِّر بحضارةِ الأندلس، وعلماء الأندلس، وتُراث الأندلس، ورِجال ونِساء الأندلس الذين قضَوا تحتَ آلة القتْل لا لشيءٍ سوى لأنَّهم قالوا: ربُّنا الله، أثبتتْ هذه الحملة جهلَ عددٍ كبيرٍ جدًّا مِن شبابنا بالأندلس، بل إنَّ كثيرًا منهم ليجهل إنْ كان في الزمان الغابر أندلس؟ وكان فيها مسجدٌ يُنادَى فيه بلا إله إلاَّ الله، فانقلبَ كنيسةً يُنادَى فيها بأنَّ الله ثالث ثلاثة! أما علِموا بأنَّه كان فيها أختٌ نَشَرت عبقَ طهرهِا وعفَّتها بيْن الأمم، فانقلَبتْ تنتحب لإجبارِها على المكروهِ مِن كافرٍ غاشمٍ جُرِّدَ من إنسانيته وقلبه!وَطِفْلَةٍ مِثْلِ حُسْنِ الشَّمْسِ إِذْ طَلَعَتْ
كَأَنَّمَا هِيَ يَاقُوتٌ وَمَرْجَانُ
يَقُودُهَا العِلْجُ لِلْمَكْرُوهِ مُكْرَهَةً
وَالْعَيْنُ بَاكِيَةٌ وَالْقَلْبُ حَيْرَانُ
لِمِثْلِ هَذَا يَمُوتُ القَلْبُ مِنْ كَمَدٍ
إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إِسْلاَمٌ وَإيمَانُ

فهل يا ترَى، سوف نشهَد في السنواتِ القادِمة قراراتٍ رسميةً لإحياء ذِكرى سقوطِ الأندلس، وتوعية الشبابِ المسلمِ الذي يُشجِّع رِيال مدريد أو برشلونة، بأنَّ هذه الفِرَق تتنافس الآنَ على أرضٍ كان اسمُها الأندلس، ازدهرتْ تحتَ حُكمِ الإسلام لأكثرَ مِن 8 قُرون؟!

ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة.
ثم ماذا؟ ولا تسأل بعد ثم، إن سنن الله الكونية لا تتغير ولا تتبدل، ليأخذ الناس العظة والعبرة ممن سبقهم حتى ينجوا مع الناجين.
فإذا تقاعس المسلمون وتخاذلوا كانت النتيجة السقوط، مثل الدراسة في المدارس، وكذلك جميع جوانب الحياة؛ للنجاح أسباب وللإخفاق كذلك.

لقد كان تاريخُ الأندلس عبرة لمن يعتبر؛ ثمانمائة سنة من العلو والانخفاض والصعود والهبوط، تعاقب على الأندلس أمراء وولاة عهد وخلفاء وملوك طوائف، وكل هذا التراث الهائل من المنجزات والتطورات أصبح في أيدي النصارى الصليبيين الذين صاحبوا السهر ورافقوا التعب والشدة حتى وصلوا إلى ما يريدون.

لا أريد هنا أن أعدّد أسباب سقوط الأندلس لأنها معروفة عند كل أحد. ولكني أجدني في حيرة من أمري لا أعرف ما فعل الله بهؤلاء الأقوام الذين بُدلوا من بعد نعمة خوفًا.

إنني كأي مسلم حر يبكي على مجد أسلافه المسلمين الذي أراقوا دماءهم زكية على ثرى الأندلس؛ لقد عطروا ذكرهم في صفحات التاريخ بتلك التضحيات التي لم يكن يعرف العالم مثلَها في زمن من الأزمان، ثم نحن بعدُ نعيد سيرةَ من هدم بناء المسلمين، أولئك الملوك الأقزام آمالهم الحقيرة التي لا تتعدى مواطئ أقدامهم، كيف يطيب لنا الطعام وأجزاء من بلاد الإسلام تتجرع غصص الاستحلال والمذابح الجماعية والقتل أو التهجير.

كل ذلك على مرأى من العالم ومسمع، وأصحاب الكراسي ممسكون بكراسيهم خوفًا من انكسارها، ولسوف تنكسر فلا تسأل عن حالهم بعد الإنكسار.

إن الأندلس لم تذهب من أيدينا بين يوم وليلة، إنها قرون حتى سقطت، وهذا يدل على طول نفس أولئك الأعداء الذين ما فتئوا يزعزعون كيان الدولة حتى تساوت مع التراب.
 وكذلك يجب علينا أن نكون أكثر واقعية.. أن نراقب الساحة، فإذا جاءت ساعة الصفر انطلقنا إلى مكاننا الأصلي فوق القمة لنحكم العالم وفق شرع الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
                                                 *******************************
   وآلمني وآلَمَ كلَّ حر سؤالُ الدهر أين المسلمونا؟